حان وقت لإعادة التعريف بحرية الرأي والتعبير

يواجه العالم تحدياً آخر في أعقاب هجوم استهدف مقر مجلة "تشارلي إيبدو" في العاصمة باريس وقد يكون ذلك الهجوم رداً على نشر الرسوم المسيئة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم في المجلة. وقررت مجلة "تشارلي إيبدو" إعادة نشر الرسوم المسيئة كردة فعل على الهجوم الإرهابي الذي أدى إلى خلق موجة من الغضب والتظاهرات في جميع أنحاء العالم. فشلت الحكومات والمنظمات مثل منظمة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي لمخاطبة هذا الوضع الذي سُمح له بالخروج عن نطاق السيطرة وهدد هذا الوضع مفهوم التعايش السلمي وقد يؤدي ذلك إلى خلق صراع بين الحضارات والديانات والمجتمعات البشرية.

حرية التعبير جزء أساسي للحضارات المتقدمة وحققت الإنسانية مستواها الراهن للحرية بعد قرون من التضحيات والنضالات وأعرب الشعب الفرنسي مع قادة العالم عن تضامنه في مسيرته للحرية عبر إرسال رسالة قوية إلى إرهابيين بأن الإرهابيين لا يتمكنون من تنفيذ أجندتهم على الإنسانية ويطرح السؤال نفسه من هذه المسيرة الاحتجاجية هو: هل يجب أن تكون حرية التعبير حقاً للجميع، وميزة للبعض؟ وهل يجب أن تكون لها حدود تحمي بعض المجتمعات ولا تحمي بعض المجتمعات الأخرى؟

والغرض من هذه المذكرة هو إبدا الرأي حول هذه القضية وتقديم مقترحات حول اتخاذ معايير حقيقية وعملية لمخاطبة هذه القضية. وركز كثير من النقاشات والحوارات في أعقاب حادث "شارلي إيبدو" على "حق حرية التعبير" والدفاع عن قدسية هذا الحق الذي يحتاج إلى أن تتم حمايته بغض النظر عن أي عواقب في هذا الشأن. وفي الواقع أن هذه القضية ليست قضية تضع حداً من حق حرية التعبير لأن هذا الحق ليس مطلقاً ولا يمكن لأحد أن يدعي بأن هذا الحق مطلق. وأن الحقوق متبادلة وأن عملية تطبيقها معتمدة على حقوق أساسية أخرى. والإصرار على القول "إن الحق مطلق" ليس بصحيح لأن الحق يمكن أن يقوم بانتهاك حقوق أساسية أخرى. إن كل دولة من الدول التي تدعي بأن حق حرية التعبير جزء للعالم المتحضر والديمقراطي وضعت حدودها لحرية التعبير لمصالح المجتمع لتحقيق مستوى السلوك الإنساني سواء كان ذلك قائماً على أساس القواعد والعادات والتقاليد والثقافة أو الدين ولكن يضمن ذلك حماية كرامة القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية ولذا أن خلق الضجة بالقول" إن حق حرية التعبير يتم تقويضه من قبل المسلمين" مغالطة واضحة. تم فرض الحضر على التصوير الإباحي للأطفال- على سبيل المثال- أو التحريض على الكراهية الدينية أو العرقية في وسائل الإعلام في عدة الدول وبالتحديد الآن. يعتبر إنكار المحرقة اليهودية جريمة جنائية في العديد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا، النمسا، بلجيكا، جمهورية التشيك، فرنسا، إسرائيل، ليتوانيا، بولندا، رومانيا، سلوفاكيا، وسويسرا، حيث يعاقب مرتكب هذه الجريمة بفرض غرامات وعقوبة السجن. وعندما رسمت صحيفة "اندبندنت" البريطانية بتاريخ 27 من شهر يناير عام 2003م كاريكاتير"أيريل شارون" رئيس الوزراء الإسرائيلي حيث يتناول فيها "شارون" رأس طفل فلسطيني حيث قال: "ما هو الخطاء؟ لن ترى قبل ذلك رجلاً سياسياً يقبل طفلاً" تسبب ذلك في خلق الضجة في إسرائيل ودول أخرى في العالم خاصة في المجتمع اليهودي والإسرائيلي في كل أنحاء العالم. وأي كان الأمر من ذلك الكاريكاتير كان خلق الضجة ردة الفعل الطبيعية من قبل الناس لقادتهم. في عام 2006م عندما قارن "سلفيو برلسكوني" رئيس الوزراء الإيطالي نفسه مع سيدنا عيسى عليه السلام أعرب الفاتيكان ورجال السياسة الإيطاليين عن قلقهم وغضبهم عن ذلك بشكل عاجل.

وأضاف مسؤول كبير في الكنيسة الكاثوليكية بقوله: أعرف أنه سوف يقول عن ذلك وأنه كان يتحدث عن ذلك ولكن يجب أن لا يتحدث عن ذلك وأعرب الفاتيكان الفرنسي عن رأيه يناير عام 2015م بقوله:

"هناك عدة أشخاص يتحدثون عن أديان أخرى بطريقة سيئة حيث يسخرون منها، ويتلاعبون مع أديان آخرين وهم يقومون بالتحريض على الإساءة وما يحدث له يمكن أن يحدث للدكتور غاسباري أيضاً إذ يقول كلمة لعنة ضد والدتي. ولا يمكن أن يتوقع سوى لطمة. هناك حدود لحرية التعبير وأرفض أي شكل من أشكال الإهانة الشخصية وعندما ترتبط الإهانة بالأديان لا يمكن قبولها لا على المستوى الإنساني ولا على المستوى الأخلاقي والاجتماعي. لا يساعد هؤلاء على تحقيق السلام في العالم ولا يقومون بتحقيق أي فائدة. لا يمكنك أن تحرض آخرين على الإساءة. لا يمكنك أن تهين عقيدة آخرين ولا يمكنك أن تسخر من عقيدة آخرين، لا يمكنك أن تتلاعب مع عقيدة آخرين. (صحيفة "بوست" المسيحية، 15 يناير عام 2015م)

اعتزرت صحيفة "برلينر زيتونغ" الألمانية حالياً عن الكرتون السامي المعادي المنشور في عددها بطريقة خاطئة في اليوم التالي الذي تعرضت فيه مجلة "شارلي إيبدو" للهجوم وكان لها أربع تغطيات حقيقية ترسم كاركاتيرية مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا يطرح السؤال نفسه هو: كيف يمكن أن يُرى كاريكاتير مسيئاً وأما كاركاتير آخر فإنه لا يُرى مسيئاً ولا يمكن أن تتم المقارنة بين هذين الوضعين ويجب أن لا يتم التمييز بينهما. وفي عام 2006م أقالت مجلة "شارلي إيبدو" موريس سانت رسام الكاريكاتير الفرنسي المحك بسبب إطلاق تصريحات سامية يزعم أنها معادية وفي عام 2006م نشرت صحيفة "إيلاندز بوستن" الألمانية رسوم مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وذكر بأن هذه الصحيفة رفضت الرسوم المسيئة التي تسخر من المسيح عيسى لأنها تثير الغضب وأعلن بالافتخار أنه سيقوم بنشر رسوم المحرقة اليهودية في أي حالة من الأحوال.

القضية هنا ليست ضمن القضايا التي تتحدى حرية التعبير إنما يعتبر ذلك الاعتراض على السخرية والإهانة تجاه عناصر مقدسة للحضارة بأكملها. هناك قانون جريمة الافتراء التابع لقانون المسؤولية التقصيرية الذي يجعل شخصاً يعاقب بسبب ارتكاب هذه الجريمة وأن الحق المطلق لحرية التعبير يتم تقليصه من أجل تحقيق التوازن بين حقوق الفرد وكذلك أن الفعل الذي يتسبب في ارتكاب الإهانة للمجتمع كله لا يمكن تبريره تحت شعار حرية التعبير. وعلاوة على ذلك أن إساءة أي دستور أو مؤسسات وطنية مثل مؤسسة عسكرية ومحاكم القانون أو البرلمان تعتبر عمل غير مشروع أو عمل يتم تثبيطه للإساءة على الأقل. تتواجد قوانين إزدراء المحكمة في جميع أنحاء العالم وتضع هذه القوانين حدوداً لحرية التعبير وتبين الاعتداء الذي قد يؤدي إلى فرض عقوبة السجن. ولو كان حق حرية التعبير مطلقاً إذن لماذا ليس هناك أي اعتراض على مثل هذه القوانين.

إن احترام عزة الفرد وعظمته حق من حقوق الإنسان الأساسية التي تمت حمايتها من قبل القانون مثل حق حظر التجديف والافتراء إضافة إلى حق الحرية الدينية. يوفر ميثاق منظمة الأمم المتحدة والدساتير والقوانين لعدة الدول حماية لهذه الحقوق.
يعترف ميثاق منظمة الأمم المتحدة بهذا الحق في مادة رقم 1 (3)

تعتبر عملية تحقيق التعاون الدولي لإيجاد حلول القضايا الدولية ميثاقاً ذا صبغة اقتصادية واجتماعية وإنسانية، ويشجع ذلك على تطوير احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون أي تمييز مثل العرق والجنس واللغة أو الدين.
تعترف حقوق الإنسان في الإتفاقية الأوروبية في مادة رقم (9) أيضاً.

يجب أن تخضع معتقدات للحدود التي تم بيانها من قبل القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لمصالح السلامة العامة لحماية النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة، أو لحماية حقوق وحريات آخرين.
يبين دستور الولايات المتحدة في التعديل رقم: 1 لمسودة الحقوق

لا يضع الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع ممارسة الحرية أو يضع حداً من حرية التعبير أو حرية الصحافة أو حق الشعب للاجتماع بشكل سلمي وتقديم التماس إلى الحكومة للتعويض عن المظالم.

وتمتلك بعض ولايات أمريكا قوانين التجديف في كتبها الدستورية، تبين القوانين العامة لولاية ماساتشوستس في الفصل 36 من الباب رقم 272 ما يلي:

"من يرتكب التجديف لاسم الله عمداً عبر إنكار وجوده، عن طريق شتم أو توجيه اللوم إلى الله، وخلقه، حكومة أو يوم الآخرة، أو عبر شتم أو توجيه اللوم إلى المسيح عيسى أو الروح القدسية أو عبر اللعنة أو عرض الازدراء والسخرية، وكلمة الله المقدسة الواردة في الكتب المقدسة يُعاقب بالسجن.

وهناك دول أخرى قامت بتطوير قوانين التجديف هي:

  1. النمسا (رقم المادة: 188،189 للقانون الجنائي)
  2. فنلاندا (رقم الفصل: 10 من رقم الباب 17 لقانون العقوبات)
  3. ألمانيا (رقم المادة:166 للقانون الجنائي)
  4. هولاندا (رقم المادة: 147 للقانون الجنائي)
  5. أسبانيا (رقم المادة:525 للقانون الجنائي)
  6. ايرلاندا (رقم المادة: 40،1،6 لدستور ايرلاندا): تنص هذه المادة بأن عملية نشر مواد التجديف تعتبر جريمة. يتضمن حضر التحريض لقانون الكراهية عام 1989م كراهية ضد مجموعة بناء على دينها.
  7. كندا (رقم المادة 296 للقانون الجنائي الكندي): جريمة ضد الدين المسيحي تعتبر تجديفاً.
  8. نيوزيلاندا (رقم المادة: 123 للقانون الجنائي لـ "نيوزيلاندا" 1961م.

الكنائس، على سبيل المثال، لديها قدسية في العالم المسيحي وتتم حمايتها بموجب الدستور في بعض الدول الأوروبية حيث ينص دستور الدنمارك في رقم المادة :4 (كنيسة الدولة).

"تكون الكنيسة الإنجيلية اللوثرية كنيسة معترف بها قانونياً ومدعومة من قبل الدولة".

يتضح من القوانين المذكورة أعلاه بأن حرية الرأي حق أساسي ولكنه ليس مطلقاً وهناك مئات الكتب والمقالات الصحفية المنشورة تسعى لتوجيه النقد إلى الإسلام ومبادئه الأساسية. ولن يعترض المسلمون على نقاشات علمية حيث أنهم مدركون تمام الإدراك بأن هذه النقاشات العلمية جزء للنقاش الجاري حول الإسلام وضمن مبادئ "حرية التعبير" وهناك عدة مقالات لا تعد ولا تحصى تمثل الإسلام بطريقة خاطئة حيث أنها تقوم بنشر أكاذيب واضحة وقصص مبالغ فيها عن الإسلام ومبادئه. المسلمون متساحمون في هذا الشأن حتى الآن مشيدين بأن ذلك جزء لا يتجزأ للعيش في المجتمعات التي تدعي بأن ذلك جزء للديمقراطية الليبرالية. عندما تتم إساءة حق حرية التعبير وتتم إهانة عناصر الإسلام المقدسة عمداً يؤدي ذلك إلى خلق حالة من الإضطراب بين المسلمين في كل أنحاء العالم. لا يتم تحقيق مشروعية وتبرير للرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم بطرية مهينة تحت شعار حرية التعبير. لا يتم نشر هذه الرسوم المسيئة في مناخ التحيز ضد المسلمين حيث تستمر التوترات وبشدة في بعض المجتمعات الأوروبية.

إضافة إلى ذلك قامت عدة الدول بتمرير قوانين مكافحة الإرهاب التي تمنع الحريات المدنية للأفراد بتشريعات تمت صياغتها بطريقة تهدف إلى التركيز على المسلمين في الدول المعنية. هناك مشاعر قوية بأن الأقليات تتم إساءتها ويتم عرضها في وسائل الإعلام عبر تقديم صورة سلبية لا أساس لها وإجراءات مذلة في حالة ممارسة هذه الأقليات أعمال حياتها اليومية باسم حرية التعبير والمصلحة الوطنية.

فمن المستغرب جداً أن العناصر المقدسة يتم الاستهزاء بها باسم حرية الرأي والتعبير مع العلم بأن ردة الفعل تكون متوترة للغاية. وبلا ريب أن نشر هذه الرسوم المسيئة من قبل مجلات وصحف معينة تعتبر ممارسة لإثبات السيطرة والقوة ضد المسلمين.

سابقاً أدان بعض قادة العالم عملية نشر الرسوم المسيئة في أعقاب نشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم من قبل صحيفة "جيلانز بوستن" الدنماركية (سبتمبر عام 2005م) مؤكدين على ضرورة الاهتمام باتخاذ خطوات تجاه وضع الحد من حق حرية التعبير.

يقول"كوفي عنان" أمين عام لمنظمة الأمم المتحدة:

"أنا أيضاً أحترم حق حرية التعبير ولكن بالطبع حق حرية التعبير ليس مطلقاً حيث أنه يستلزم مسؤوليةً وحكماً"

يقول"جوك سترا" وزير الخارجية البريطاني:

"هناك حرية التعبير حيث أننا جميعاً نحترمها وليس هناك أي اهتمام بإهانة دون مبرر. أعتقد أن عملية إعادة نشر هذه الرسوم كانت مسيئة ومتبلدة الشعور وقليلة الاحترام وخاطئة وهناك محظورات في كل دين من الأديان وليس الأمر بأن المجال مفتوح فيما يتعلق بجميع جوانب الشعائر والطقوس المسيحية باسم حرية التعبير وكذلك ليس الأمر بأن المجال مفتوح فيما يتعلق باحترام حقوق وشعائر الدين اليهودي وديانة اليهود والسيخ. ويجب أن يكون هذا الوضع فيما يتعلق بدين الإسلام ويجب علينا أن نكون حذرين جداً من إظهار الاحترام الملائم في هذا الشأن".

أصدر مكتب الوزارة الخارجية الأمريكية بياناً يفيد:

"إن هذه الرسوم جريمة تجاه عقيدة المسلمين بدون شك"

يقول "كرتس كوبر" المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكي:

"نحترم حرية وسائل الإعلام والتعبير بشكل تامّ ويجب أن تقترن هذه الحرية بالمسؤولية الصحفية. إن التحريض على الكراهية الدينية أو العرقية بهذا الأسلوب ليس أمراً مقبولاً".

قال "فيلب دوست بلازي" وزير الخارجية الفرنسي:

"يجب أن تتم ممارسة مبدأ الحرية بأسلوب التسامح واحترام المعتقدات والأديان ويعتبر ذلك أساساً للعلمانية لبلادنا"

أدان الفاتيكان "كاردينال أشيل سلفيستريني" الرسوم المسيئة بقوله:

يجب على الثقافة الغربية أن تدرك حدودها تمام الإدراك. فمن الواضح تمام الوضوح بأن استخدام حرية التعبير يعني أنه لا توجد حدود لمن يستطيع أن يقول أو يفعل. فيكون ذلك أسطورة. أن الفعل الذي يسيئ القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع مثل التضامن والنزاهة والحرمة ويتسبب في خلق تهديد للسلام في العالم لا يعتبر حق حرية التعبير لأحد. يعلّم الإسلام أيضاً مبدأ التسامح والتعايش والسماح لآخرين بالعيش في المجتمع البشري ولا يشجع على تشويه صورة آلهة وشعائر دينية أخرى ويعلم الاحترام للإنسانية.(سورة الأنعام:6:108)

تؤكد القوانين الإسلامية على ضرورة الاهتمام بأمن وكرامة واحترام كافة الأديان الأخرى ومعتقداتها دون أي تمييز.

لو وضعت المبادئ المعترف بها دولياً للتسامح والتعايش وراء الظهر وتمت إهانة القيم الأخلاقية والدينية إذن يتفاقم الوضع الراهن وأن التوترات السائدة تزيد. هناك حاجة إلى وضع آلية لوضع الحد من هذه الحوادث التي قد تؤدي إلى خلق تهديد للسلام العالمي. يشعر المسلمون بالعزلة ويُستهدفون عندما تبدأ مجلات وصحف إساءة عناصر مقدسة لدين المسلمين فلا بد أن تأتي ردة الفعل القوية من المسلمين ومن الممكن أن تفرخ أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية في حالة عدم اتخاذ خطوات تجاه توقف نشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وقد يؤدي ذلك إلى خلق صراع بين الحضارات والأمم.

هذه هي الأسباب وراء الغضب ضد نشر هذه الرسوم المدانة وتغاضي الحكومات عن الاحتجاجات المشروعة في العالم الإسلامي ضد هذه الجريمة. تمت إهانة وبشدة 1.25 مليار مسلم في كل أنحاء العالم ويتم تحقيق مشروعية وتبرير عملية نشر الرسوم المهينة بشكل مستمر وتتم حماية الاضطرابات في جميع أنحاء العالم بدلاً من اتخاذ مبادرات تجاه إيجاد حل هذه القضية.

جرحت الواقعة الراهنة لنشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم في مجلة "شارلي إيبدو" الأسبوعية في فرنسا مشاعر أفراد المجتمع الإسلامي في كافة أنحاء العالم ويجب الضمان بأنه تتم مخاطبة هذه القضية وفقاً للقانون الفرنسي حسب رقم المادة (5-433) للدستور الفرنسي (رقم المادة 647-96 لـ 22 يوليو عام 1996م ورقم المادة 19 للمجلة الرسمية 23 يوليو عام 1996م ، رقم المرسوم 916-2000 لـ 19 من شهر سبتمبر 2000م ورقم المادة 3 للمجلة الرسمية 22 من شهر سبتمبر عام 2000م وتم تطبيقه في 1 من شهر يناير عام 2002م والقانون الجنائي الفرنسي (رقم المادة : 2002-1138 لـ 9 من شهر سبتمبر عام 2002م، رقم المادة 45 للمجلة الرسمية 10 من شهر سبتمبر عام 2002م).

يُعاقب مرتكب جريمة الازدراء بغرامة قدرها 7500 يورو. يتضمن الازدراء كلمات وإيماءات وتهديدات ووثيقة مكتوبة أو صور من أي نوع لم يتم نشرها لعامّة الناس أو إرسال أي مادة موجهة إلى شخص يقوم بأداء مهمة الخدمة العامّة، ويقوم بأداء الواجب في مكتبه، مسؤول عن تقويض كرامته أو احترام مكتبه وعندما تتم مخاطبة الازدراء تجاه شخص يحمل سلطة عامة، يُعاقب مرتكب جريمة الازدراء بالسجن لفترة 6 شهور وبغرامة قدرها 7500 يورو.

عندما تتم مخاطبة الازدراء تجاه شخص يقوم بأداء الخدمة العامة ويتم ارتكاب الجريمة داخل مدرسة أو مؤسسة تعليمية، أو في منطقة مجاورة للمؤسسة التعليمية في الوقت الذي يصل فيه طلاب أو يغادرون أماكن العمل، يُعاقب مرتكب جريمة الازدراء بالسجن لفترة 6 شهور وبغرامة قدرها 7500 يورو. وعندما يتم ارتكاب جريمة الازدراء خلال اجتماع يُعاقب مرتكب جريمة الازدراء حسب الفقرة الأولى بالسجن لفترة 6 شهور وبغرامة قدرها 7500 يورو وأما مرتكب جريمة الازدراء المنصوص عليه في الفقرة الثانية فيُعاقب بالسجن لفترة عام واحد وبغرامة قدرها 15000 يورو.

فإن القانون الفرنسي يحمي كرامة وشرف أي شخص يقوم بأداء واجباته الرسمية بشكل واضح. وأيضاً أن أي عمل يضر شرف وكرامة سواء كان في صورة نص أو صورة أعلِن بأنه جريمة "الإزدراء" ولا تعتبر هذه الجريمة ضمن نطاق حرية الرأي والتعبير. فمن هنا يطرح السؤال هو: لماذا لا يتم وضع تشريعات مماثلة لحماية شرف وكرامة لمؤسس أديان العالم الذي يُقتدى به من قبل الملايين والمليارات من الناس.

من أجل حل هذه القضية الدولية وإنهاء التوتر الخطير أقترح بأن الوقت قد حان لإعادة التعريف بحرية الرأي والتعبير بشكل رسمي على مستوى منظمة الأمم المتحدة ومن المعروف أن القوانين الدولية قد قامت بتغيير الزمن لمواجهة التحديات الجديدة حيث كانت سيادة الدولة لها أولوية وأسبقية على حقوق الإنسان ولكن الآن تغير الزمن حيث كسبت حماية حقوق الإنسان أسبقية على سيادة الدولة. هناك عدة إجراءات تم اتخاذها من قبل عدة الدول للقضاء على انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية داخل دول أخرى. كما تم توضيح الأمر أعلاه بأن أحدث استراتيجية لمكافحة الإرهاب كسبت أسبقية حتى على حقوق الإنسان الأساسية والحريات المدنية. قد تم وضع عدة التشريعات لمكافحة الإرهاب في بريطانيا وأمريكا وأوروبا وتؤثر هذه التشريعات على حقوق الإنسان الأساسية والحريات المدنية. يعتبر الإرهاب أكبر تحد تواجهه الإنسانية وأن الشعوب متحدة لمكافحة الإرهاب. لا يجرح نشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم مشاعر أكثر من مليار مسلم محب السلام فحسب إنما يعطى مبرراً ومشروعية لعناصر إرهابية للانتقام.

في ضوء الحجج السابقة المذكورة في هذه الرسالة أقترح باقتناع الحلول التالية للقضية التي وضع السلام العالمي على المحك.

  1. هناك حاجة إلى تمرير تشريعات واضحة على مستوى منظمة الأمم المتحدة حيث تمنح هذه التشريعات التوازن بين حق حرية التعبير وحقوق الأفراد والمجتمعات للعقائد والأديان وحماية المعتقدات المقدسة من الإساءة والسخرية.
  2. الأهم من ذلك أن أي فعل النشر أو إنتاج أي صورة من صور الازداء بطبيعتها تجاه مؤسس أي دين يجب أن يُعلن بأنه جريمة.
  3. يجب على كافة الحكومات أن تضمن تطبيق مثل هذه التشريعات عبر إجراءات قانونية ضرورية ويجب أن يتم إنهاء فرص التحريض والسخرية.

أتوقع أن الحس السليم سيعم وترتفع مستوى مسؤولية قادة العالم لإصلاح الأضرار التي لحقت بالعلاقات بين الحضارات وأتوقع أيضاً بأن قادة العالم يعرضون قيادة وشجاعة ومودة تجاه مسلمي العالم.

مع التحيات
محمد طاهرالقادري

تعليق

البحث

Ijazat Chains of Authority
Top