Mawtani : فتوى تُحرّم "الإرهاب والعمليات الانتحارية

تحليل أعدّه راجح سعيد من لندن

أصدر المفكّر الإسلامي الدكتور محمد طاهر القادري، الذي يقود منظمة "منهاج القرآن" العالمية، في 2 مارس/آذار فتوى مطوّلة من لندن جاءت في 600 صفحة تحرّم "الإرهاب والعمليات الانتحاريّة".

وإذا كان موقف هذا الشيخ الباكستاني الأصل من عمليات تنظيم القاعدة ليس بجديد، إلا أن موقفه على هامش إعلانه فتواه ميّزه عن كثيرين من المشايخ الإسلاميين الذين كانوا في ما مضى يكتفون بإدانة تصرفات القاعدة من دون تحديد العواقب التي يمكن أن يلقاها – بحسب وجهة نظرهم الدينية – أولئك الذين يقومون بعمليات تفجير وقتل يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء، حتى وإن لم يكونوا هم المستهدفين من هذه الهجمات.

وجادل الشيخ القادري في فتواه الطويلة بأن من يقوم بعمليات انتحارية سيكون مصيره جهنّم، نافياً أن يكون جزاء الانتحاريين الجنّة وحور العين. ولفت إلى أن تعاليم الدين الإسلامي ترفض رفضاً قاطعاً الهجمات التي يذهب ضحيتها أبرياء، مشيراً إلى أن الإسلام يحرّم قتل إنسان بريء واحد، حتى ولو كانت العملية التي سيُقتل فيها ستقتل أيضاً عشرات المذنبين.

وضمّن القادري فتواه آراء عدد كبير من كبار العلماء المعاصرين والقدامى، والذين يرفضون ما يبيحه تنظيم القاعدة وحركة طالبان، الذين وصفهم بأنهم "خوارج العصر".

والقادري، المولود في إقليم البنجاب الباكستاني عام 1951، حاصل على شهادة دكتوراه من جامعة البنجاب عن أطروحة بعنوان "العقوبات في الإسلام: تبويبها وفلسفتها"، وقد عمل محاضرا في العلوم الإسلامية منذ عام 1974، ومارس المحاماة خلال الفترة من 1976 حتى 1978 في باكستان. كما وعمل القادري أيضا مستشاراً في المحكمة الشرعية الفيدرالية والمحكمة العليا الباكستانية، وعضواً للجنة القومية للمناهج الإسلامية في وزارة التعليم والتربية الباكستانية.

وشرح الشيخ الباكستاني موقفه في مقابلة طويلة أجراها مع صحيفة "الشرق الأوسط"، في عدد الجمعة 5 مارس/آذار، وقال فيها إنه حتى في الحروب حرّم الإسلام قتل النساء والأطفال والشيوخ والعجزة والرهبان، بل وحرم حتى قتل حيوانات العدو أو حرق الشجر وتدمير الممتلكات وقتل المزارعين أو التجار والدبلوماسيين والسفراء.

وقال القادري "انظر لحالنا المؤسف اليوم، يلقى الناس حتفهم داخل المساجد وفي عرض الشارع، ويُقتلون وهم نيام في منازلهم، ويفجّر الإرهابيون الأسواق، ويُقتل في ذلك النساء والعجزة والأطفال، الأمر الذي لا يوجد ما يبرره مطلقاً. هؤلاء الإرهابيون من القاعدة وطالبان يشوهون صورة الدين الحنيف بالقتل العشوائي للأبرياء في باكستان والسعودية وأفغانستان والعراق ونيويورك ولندن ومدريد."

واتهم القادري زعيمي تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري بأنهما من "خوارج اليوم".

ويعرف القادري بلا شك أنه سيجد صعوبة ربما في إقناع جميع عناصر القاعدة بأن يغيّروا بسهولة الآراء التي يؤمنون بها، قائلاً إن هؤلاء قد تعرّضوا لـ "غسيل دماغ". لكن اهتمامه الأساسي يبدو منصباً على الجيل الجديد من الشباب الإسلاميين الذين قد تجتذبهم آراء "لقاعدة، ولذلك فهو يأمل بأن يطلع هؤلاء على فتواه ليروا ما فيها من آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة وسيرة الخلفاء والصحابة ومواقف العلماء، علّهم يقتنعون بخطأ المسار الذي تنتهجه القاعدة وطالبان والجماعات التي تؤيدهما.

وقالت جماعة "كويليوم" التي تضم إسلاميين كان بعضهم ينتمي في السابق إلى تنظيمات توصف بالمتطرفة وباتوا اليوم يكرّسون اهتمامهم للتصدي لأفكار "الغلو والتطرف"، إن فتوى الشيخ القادري يمكن أن تُعتبر "أشمل نقد ديني للإرهاب الذي يقوم به إسلاميون يُقدّم حتى اليوم."

ولفتت الجماعة إلى أن منظمة "منهاج القرآن" التي يرأسها القادري، يتبعها "مئات الآلاف في جنوب آسيا والمملكة المتحدة"، وأن موقفه "يشكّل سابقة ستسمح لعلماء آخرين بأن يدينوا في شكل مماثل الأفكار التي تقف وراء الإرهاب."

واعتبر ناطق باسم "كويليوم" في تصريح صحافي في لندن أن "هذه الفتوى يمكن أن تكون بمثابة خطوة مهمة نحو محو الإرهاب الإسلامي. إن فتاوى رجال دين متأثرين بالفكر الوهابي ومنظّرين إسلاميين هي التي أطلقت الإرهاب الحديث ضد المدنيين. إن جماعات إرهابية مثل القاعدة تواصل تبريرها القتل الجماعي بناء على قراءة تخدم مصلحتها من النصوص الدينية. لكن الفتاوى التي تدمّر وتكشف حقيقة هذه البدع الفقهية (مثل فتوى القادري) ستُرسل الإرهاب الإسلامي إلى مزبلة التاريخ."

وبغض النظر عن فتوى القادري وتعليق "كويليوم" عليها، فإنه من الواضح أن هناك مساراً تصاعدياً من داخل الحركات الإسلامية ينتقد ممارسات القاعدة وطالبان ويتصدى لأفكارهما. وأجمعت "مراجعات" خلص إليها عدد كبير من العلماء الإسلاميين وقادة الحركات الإسلامية في السنوات القليلة الماضية على تحريم عمليات القتل العشوائي من تفجيرات وقتل يطال المدنيين، حتى وإن كان الهدف الأصلي هو جنود تصفهم القاعدة وطالبان بأنهم كفار أو مرتدون.

ومن أبرز هذه "المراجعات" تلك التي صدرت عن القيادي السابق لـ"جماعة الجهاد" المصرية "الدكتور فضل" ("وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم") ومراجعات "الجماعة الإسلامية المقاتلة" الليبية (بعنوان "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس")، وقبلهما صدرت "مراجعات الجماعة الإسلامية" المصرية التي كانت الأشد نقداً لممارسات الجماعات الإسلامية المتشددة – بما فيها مسارها هي نفسها ضد الحكم المصري – في القتال ضد ما تعتبره "أنظمة مرتدة".

وإضافة إلى هذه المراجعات، صدرت أيضاً مواقف عن علماء ومشايخ بارزين وصلت إلى الخلاصة ذاتها، وكان من بينها بيانات صدرت عن أحد شيوخ "السلفية الجهادية" البارزين في المغرب محمد الفيزازي، المسجون منذ 2003، والتي حرّم فيها تحريماً قاطعاً أي عمل إرهابي يمكن أن يقوم به مسلمون في الدول الأوروبية. كارل كورت/أ ف ب/ غيتي إيمدجز -- الدكتور محمد طاهر القادري، مؤسس حركة "منهاج القرآن" العالمية.

Source : http://mawtani.com/cocoon/iii/xhtml/ar/features/iii/features/iraqtoday/2010/03/13/feature-01

Comments

Top