Almoqtf : الانتحار و الاستشهاد
24 مارس 2010
ذات صباح من أحد أيام الانتخابات العراقية الأخيرة.. وضع شاب عراقي، مسلم، حزاماً ناسفاً حول بطنه متوجهاً ـ وبراءة الأطفال في عينيه ـ إلي مستشفي في مدينة يعقوبة العراقية، حيث وقف بالقرب منه وأخذ ينظر إلي من حوله كأنه ينتظر أحداً في هذا المكان.
ومرت دقائق معدودات.. دوّت بعدها الصفارات من الدراجات البخارية، وسيارات مقدمة الموكب القادم في اتجاه المستشفي وتقل إحدي سياراته المصفحة قائد الشرطة اللواء الركن »عبدالحسين الشمري«. وعند وصول الموكب إلي نقطة معينة، سارع الشاب العراقي بالتقدم في اتجاهه متجاهلاً نفير السيارات وصفارات الدراجات البخارية، وقبل أن يفتح الجنود والضباط نيران مدافعهم لإسقاطه بعد أن تنبهوا ـ فجأة ـ إلي الهدف من وراء وجوده وتقدمه، لكن الشاب كان أسرع من رجال الحرس حيث ضغط علي الحزام الذي يلف بطنه ليحدث انفجاراً قوياً هز المنطقة، وأطاح بأجسام العديد من الضحايا الأبرياء في كل اتجاه، في حين نجا قائد الشرطة، ولم يصبه أي شيء، وواصل تقدمه حتي باب المستشفي كما كان مقرراً من قبل.
الشاب العراقي كان أول من تفتت جسده إلي قطع بالغة الصغر من فرط الانفجار الذي بدأ أول ما بدأ من بطن الشاب الانتحاري الذي كان ـ كما قيل فيما بعد ـ أسعد الناس بهذه النهاية التي لا يحظي بها إلاّ »الأطهار«، »الشرفاء«، »المؤمنون« الذين ستتفتح أبواب الجنة علي مصاريعها من أجل الترحيب باستقبال شهداء الإسلام الذين ضحوا بأرواحهم من أجل »رفعة الدين الإسلامي«، و »محاربة أعداء الإسلام والكفار به وبرسوله«!
في نفس التوقيت.. تكرر انفجاران اثنان في المدينة نفسها ـ يعقوبة ـ ليرتفع عدد الضحايا إلي 31قتيلاً، وعشرات الجرحي الذين فقدوا أعضاءهم ونقلوا إلي المستشفي بين الحياة والموت!
ولا جديد تحت الشمس. فالدنيا كلها ملّت من خبر الانفجارات، الذي يُقرأ، ويُسمع، ويُعرض، في كل نشرات الأخبار بنفس العبارات وإن اختلف مسرح المذبحة من مدينة إلي أخري، واختلاف الأرقام نظراً لتفاوت عدد تجمعات المواطنين ـ من أطفال، ونساء، وشيوخ ـ في الأماكن والأوقات غير المناسبة!
أصبحنا نستمع إلي هذا الخبر ـ القديم، والمتجدد يوماً بعد يوم ـ وكأننا لم نسمعه. وحتي إن تابعنا بدايته فسرعان ما يغير معظمنا مؤشر ضبط المحطات، واختيارالقنوات، بحثاً عن الجديد، والمفيد، في نشرات الأخبار الأخري: المسموعة والمرئية!
زهقنا بالفعل مما يتكرر ألف مرة ومرة في داخل العراق وبأيدي العراقيين أنفسهم الذين يتقاتلون فيما بينهم، ويتصوّر كل واحد من هؤلاء القتلة الانتحاريين أنه علي حق، وأن الجنة في انتظاره، وبنات الحور ستكون تحت أقدامه (..) وإلاّ ما المعني لكل هذه التصفيات الجسدية العشوائية التي يتسابقون في القيام بها، وكأنهم يتنافسون، أو يتراهنون علي من سيكون الأكثر تفجيراً، و الأشد حرقاً، و الأفظع تمزيقاً، وتفتيتاًً، لأجساد ضحاياه من الخصوم وغالبيتهم من المدنيين العراقيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في صراعات »الشيعة« * »السنة« ، و»الشيعة« * »المسيحيين« و»السنة« * »الأكراد«، و»فلول نظام صدام حسين« ضد كل هؤلاء؟!
قيل إن كل من يضع حزاماً ناسفاً حول بطنه لقتل وجرح العشرات أو المئات، سيدخل الجنة من قاعة كبار الزوار باعتباره »شهيداً«، »مجاهداً« في سبيل رفعة الإسلام. وانتظر الناس أن يقوم أحد الدعاة العظام بالرد علي هذه »الفتوي« فطال انتظارهم. قلة ضئيلة من الدعاة أفتوا ببطلانها وإن جاء بطلانهم شديد الاستحياء! والغالبية آثروا الصمت حتي لا يغضبوا »المجاهدين«، و»المنتحرين«!
الجديد.. سمعناه ـ أخيراً جداً ـ بلسان، وقلم، الشيخ الباكستاني: »محمد طاهر القادري« ـ عالم دين إسلامي يقيم في لندن ـ الذي أصدر منذ أيام »فتوي« تدين »الإرهاب العالمي والتفجيرات الانتحارية«. الفتوي ـ التي اهتمت بها أجهزة الإعلام العالمية ـ صدرت في كتاب من 600صفحة، وباللغة الإنجليزية، وقرأت تلخيصاً وافياً لها نُشر بالعربية في صحيفة »الشرق الأوسط« ـ اللندنية ـ بتاريخ 3 مارس الحالي، متضمناً أهم ما جاء في فتوي الشيخ القادري الذي وصفه الزميل »محمد الشافعي« ـ مراسل »الشرق الأوسط« في لندن ـ بأنه: [مؤسس حركة »منهاج القرآن«، ولديه عدد كبير من الأتباع والتلاميذ في بريطانيا وباكستان، وجعل إحياء الدين ونشر الإسلام علي فكر أهل السنة والجماعة في كل أنحاء العالم هدفاً من أهداف حياته، وهو يجيد العربية ويتحدثها بطلاقة] .
Comments