Eapress EU : حكم العمليات الإنتحارية

مارس 7, 2010

أثارت فتوى الشيخ طاهر قادري المقيم يلندن المتعلقة بحرمة العمليات الإنتحارية التي يقوم بها الإرهابيون كثيرا من التساؤلات و أسالت الكثير من الحبر، خاصة في الصحافة الأوروبية التي ـ على ما يبدو ـ لم تسمع بوجود مثل هذه الفتوى من قبل. فهذا راجع لقلة المتكلمين من المسلمين و الصادعين بالحق في وجه الطوفان الإرهابي الجرار حيث قد يخطر ببال الكثير من المسلمين أن الإدلاء بمثل هاته الفتاوى يخدم صف الإعلام الغربي الذي ما فتئ يكيل للإسلام و أهله التهم و يصفهم بأبشع الأوصاف. فهل جاء الشيخ طهير قادري بجديد أم نفض الغبار على فتاوى موجودة وُورِيَتْ عن الناس بفعل فاعل. فهناك أئمةٌ متواجدون على التراب الأوروبي يفتون بجواز مثل هذه العمليات الإجرامية و أن أصحابها شهداء في جنات النعيم.

و قد بلغني تعليقٌ لرجل أوروبي ردا على فتوى الشيخ طهير يزعمُ أن الفتوى لن تغير من الأمر شيئا لأنّ الشيخ من الصوفية الذين لا يوافقون المتطرفين على ما هم عليه من التكفير و التقتيل. ويبدو على صاحب التعليق أنه لم يطّلع على فتاوى العلماء في هذه العمليات. و قد يسأل البعض فلم لم يعملْ بها هؤلاء و يريحوا البشرية من إجرامهم ؟ و الجواب جد بسيط حيث يتمثل في أنّ رؤوس التطرف يعملون جاهدين لزعزعة مصداقية العلماء لدى الشباب و بالتالي فلن يأخذ الشباب عن كبار العلماء شيئأ. و قد سمِعْتُ أبا محمد المقدسي منظر التكفيريين في الأردن

يفتخر أنّه استطاع و هو بأفغانستان من أن يجعل الشباب يبغضون العلماء و يقعون في أعراضهم. و قد استضافت قناة الجزيرة قبل أعوام أحد المتطرفين فصرح بأن العلماء قد تخلوا عن حمل عبء الجهاد ـ على حد قوله ـ و تخلوا عن المجاهدين الشباب الذين يضحون بالغالي و النفيس لأجل دينهم.

و مما تعجبت له بعض المجلات الإلكترونية الأوروبية على تجرؤ الشيخ طهير على تكفير الإرهابيين. و هذا مسالة أخرى لم يطلع عليها الإعلام بل و يجهلها الكثير من المسلمين. فإنّ طائفة من أهل العلم يرون بكفر الخوارج أو بالإصطلاح العصري الإرهابيون.

فما حكم العمليات الإنتحارية ؟

فقد وُجِهتْ أسئلةٌ عدة لكبار العلماء المسلمين فيما يخص العمليات الإنتحارية و ما قول الشرع في تنظيم القاعدة و زعيمه. فأنا ذا أعطي للقارئ الكريم زبدة أقوال العلماء في العمليات الإنتحارية.

فالمعلوم أنَّ مِنْ شرط الوسيلة الدعوية أن يكون المقصود منها مشروعًا، فإن كان ممنوعًا فلا يتوسَّل إليه بأيِّ وسيلة؛ لأنَّ النهي عن المقصد نهي عن جميع وسائله المؤدِّية إليه، كما أنَّ من شرطها -أيضًا- أن تكون في ذاتها غير مخالفة لنصوص الشرع أو لقواعده العامَّة، فلا يجوز أن يتوسَّل بها إلى المقاصد والغايات، ومخالفة الشرع في باب الوسائل كمخالفته في باب المقاصد، لقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، فالآية دلَّت على التحذير من مخالفة أمره وهو عامٌّ شاملٌ لباب الوسائل والمقاصد على حدٍّ سواء؛ لأنَّ النكرة المضافة تفيد العموم.

ولا يخفى أنَّ شريعة الإسلام تأمر بالمحافظة على الضروريات الخمس، ألا وهي : الدم و العرض و العقل و النسل و الدين كقوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، وكقولِه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»1)، وعليه، فإنَّ اتخاذ وسيلةِ التفجير والتدمير والتخريب والاغتيال والانتحار يهدم هذا الأصلَ المقاصديَّ ويخالف نصوص الشرع الآمرةَ بوجوب المحافظة عليه، ومن هنا يظهر أنَّ «الوَسِيلَة المحُرَّمة حرام»، و«الوَسيلة إلى الحرام حرامٌ»، فمن اعتبر مقاصد الشرع دون مراعاة وسائله، أو بالعكس اعتبر وسائل الشرع دون مقاصده فقد أخذ بجزء الدِّين وأهمل الآخر، وقد قال الله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 85]، وخالف الهديَ النبويَّ، حيث كان صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يوصي المقاتلين بوصايا أخلاقيةٍ كالوفاء بالعهد، وعدم الغدر، وينهى عن قتل النساء والشيوخ والصبيان، و الرهبان. قال أبو حامدٍ الغزالي -رحمه الله- في معرِض الحديث على التوسُّل إلى الحسنة بالسيئة: «فهذا كلُّه جهل، والنية لا تؤثِّر في إخراجه عن كونه ظلمًا وعدوانًا ومعصيةً، بل قصده الخير بالشر -على خلاف مقتضى الشرع- شر آخر، فإن عَرَفَه فهو معاندٌ للشرع، وإن جَهِله فهو عاصٍ بجهله، إذ طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم»(2)، ويؤكِّده قولُ ابن تيمية -رحمه الله-: «ليس كلُّ سببٍ نال به الإنسان حاجتَه يكون مشروعًا ولا مباحًا، وإنما يكون مشروعًا إذا غلبت مصلحته على مفسدته ممَّا أَذِن فيه الشرع»(3).

هذا، وتحريم هذه الأساليب التدميرية والأعمال التهديمية والعمليات الانتحارية ليست قاصرةً على حقِّ المسلم كما قد يدّعي البعض ممن لا زاد له في العلم بل تتعدَّى إلىغير المسلم و مهما كانت ديانته ، سواء كان ذِمِّيًّا أو معاهدًا أو مستأمنًا لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ [التوبة: 6]، والأمان إذا ما أعطي

لغيرمسلم ولو كان محاربًا سواء أعطاه هذا العهد شخصٌ طبيعي من المسلمين، أو شخص معنوي كالدولة أو الهيئات، رسمية أو غير رسمية، فلا يجوز الغدر به، سواء دخل بلاد المسلمين لحاجتهم، أو لحاجة نفسه، لقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ﴾[النحل: 91]، وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء : 34]، وقوله تعالى: ﴿وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ﴾ [الأنعام: 152]، وقد شهد غير المسلمين للنبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنه لا يغدر، بل جعله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم من صفات المنافقين في قوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ»(4)، وأكّد وجوب احترام العهد بقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ عَامًا»(5)، ويدخل في عقد الأمان مع غير المسلم أي مسلم ولو كان المؤمِّنُ امرأةً، لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأ دِماَؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ -أي: العَهد- أَدْنَاهُمْ»(6)، ولما أجارت أمُّ هانئ رضي الله عنها رجلاً مشركًا عامَ الفتح أراد عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله، ذهبت إلى النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فأخبرته فقال: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»(7)، ولا شكّ أنَّ وسيلة التفجير والتدمير والانتحار والاغتيال وغيرها فاسدة بهذا الاعتبار، واستخدامها عملاً تأباه شريعة الإسلام بما تجرُّه من مهلكات عظام، ومفاسد وآثام، فمن جملتها:

- هلاك الناس بالاعتداء على حرمةالبلاد ، وترويع الآمنين فيها، وإزهاق أرواح الأبرياء والأنفس المعصومة، وإتلاف لأموالهم وجهودهم، وتضييع ممتلكاتهم.

و قد حكم أهل العلم على أصحاب التفجيرات بالضلال و أنهم بفعلتهم يستحقون دخول النار لانتحارهم و لإزهاقهم أرواح الناس ظلما و عدوانا و لم أجد من وافقهم على ما هم عليه من التفجير إلاّ الشيخ يوسف القرضاوي الذي يرى بجواز العمليات الإنتحارية التي يقوم مقاتلو حماس و لا يوجد له موافقٌ من العلماء إلاّ من سموا أنفسهم مفتو القاعدة.

Source : http://eapress.eu/?p=3599

Comments

Top