Al-Watan : عبد الحميد الأنصاري: الانتحاريون أبطال.. لكن في الجحيم

8-3-2010

أصدر الشيخ محمد طاهر القادري - عالم دين باكستاني، رئيس مؤسسة مناهج القرآن، له العديد من التلاميذ والأتباع في بريطانيا وباكستان - أقوى فتوى ضد الارهاب وضد العمليات الانتحارية وقال «الذين يقومون بالعمليات الانتحارية، خارجون عن ملة الإسلام، وهم ليسوا أبطال الأمة بل أبطال النار في الجحيم» وصف تنظيم «القاعدة» بأنها: «شر قديم باسم جديد» وفي خطوة نوعية متميزة، رفض الشيخ رفضاً قاطعاً كافة أشكال التبريرات الدينية والسياسية التي تسوق - عادة - للعمليات الانتحارية وقال «الارهاب هو الارهاب والعنف هو العنف، ولا مكان لهما في الإسلام ولا يوجد لهما أي تبرير أو عذر أو حجة».

لم يصدر الشيخ فتواه عبر صحيفة أو قناه فضائية أو منبر الجمعة بل اختار أن يعقد مؤتمراً صحفياً في لندن وأطلق فتواه من هناك وجاءت في 600 صفحة ووصف الشيخ فتواه بأنها «الأول والأشمل في مواجهة الفكر الارهابي» وقال «اجتهدت أن لا أترك حجراً الا قلبته بشأن هذا الموضوع، واجتهدت كي أجيب عن كل تساؤل يتعلق بهذا الأمر».

وأكد الشيخ أن فتواه ستنشر باللغات الثلاث: العربية والانجليزية والأوردو على شبكة الانترنت، وأعلن المجلس الإسلامي البريطاني الذي يضم 500 رابطة إسلامية، ترحيبه بالفتوى، وقال المجلس في بيان له «انه لأمر محمود تماماً أن يعلن عالم بقدر طاهر القادري رفضه للارهاب».

ومن جهته، قال الباحث ماجد نواز مدير «مؤسسة كويليام البحثية لمكافحة التطرف الديني» ان «الشيخ القادري ذكر في مؤتمره الصحفي «10» نقاط التقاء بين خوارج الأمس وتنظيم القاعدة، حتى في الملبس وطول اللحية يتشابهون، اضافة الى سطحية التفكير دون العمق الديني».

تأتي هذه الفتوى الشاملة في سياق تصاعد العمليات التفجيرية والانتحارية في باكستان والتي طالت المدارس والمساجد والأسواق الشعبية، اذ لا يمر يوم الا ويسقط فيه ضحايا مدنيون أبرياء بفعل تلك العمليات الارهابية التي عمت باكستان من قبل الجماعات الدينية المتطرفة بزعامة «طالبان باكستان».

وكانت الحكومة الباكستانية قد لجأت منذ مدة إلى علماء باكستان لاستصدار فتوى تحرم العمليات الانتحارية واستجاب بعض هؤلاء وحرموا العمليات الانتحارية في باكستان وحدها دون غيرها ولكن هذه الفتاوى لم تحد من العمليات الارهابية.

لقد وضح الشيخ القادري دوافعه في اصدار هذه الفتوى وبين أنه اضطر للقيام بدراسة معمقة للفكر الارهابي على امتداد «3» أشهر واتصل بعلماء ومشايخ في المنطقة العربية لتأتي الفتوى «كأول وأشمل فتوى كتبت في موضوع الارهاب» وذلك انطلاقاً من عاملين:

1- المخاوف الكبيرة من تحول الطلاب المسلمين بالجامعات البريطانية الى النزعة الأصولية - وهو يشير هنا الى أبناء الجالية الآسيوية المقيمة في بريطانيا والذين قد تستهويهم طروحات الفكر الديني المتطرف في بريطانيا بالرغم من أنهم يعيشون في مناخ حر وديمقراطي يكفل لهم كافة حرياتهم وحقوقهم الدينية والمدنية والسياسية - يعيش في بريطانيا 7 ملايين مسلم، غالبيتهم من أصول باكستانية وقد تورط عدد من أبناء الجالية في عمليات ارهابية في لندن.

2- ندرة ادانة التطرف من جانب العلماء ورجال الدين المسلمين كما يقول الشيخ القادري، ففي كل عام يذهب آلاف الضحايا من المسلمين ويسقطون بسبب عمليات «القاعدة» المنتشرة في العديد من عواصم الدول العربية والإسلامية وقد أشار «فارس بن حزام» الخبير في الحركات المتطرفة الى أن عمليات القاعدة بلغت أكثر من 300 عملية وأن 85% من ضحاياها مسلمون ومع ذلك لا نجد في المقابل جهداً ملموساً من قبل المجامع الفقهية المختلفة للتصدي لهذه العمليات الارهابية عبر اصدار فتوى جماعية قاطعة بتحريم كافة العمليات الانتحارية.

الفكر الدموي يستشري في الساحة الإسلامية، في العراق والجزائر والمغرب والصومال وباكستان وأفغانستان واليمن ويستهوي الشباب المسلم الذي يتحول الى قنبلة بشرية ضد وطنه ومجتمعه ولا يتصدى العلماء وهم المؤهلون المسؤولون عن انقاذ الشباب المسلم من هذا الوباء الارهابي ولا يقومون بواجبهم الديني كما ينبغي ولا يتفقون على تحريم العمليات الانتحارية التي تؤدي بالأبرياء المسلمين وغيرهم، متى ينهض العلماء بمسؤولياتهم تجاه نهر الدماء المسال في الساحتين العربية والإسلامية؟! نعم نسمع كثيراً استنكاراً عاما للارهاب بكافة أشكاله ومظاهره، ويرددون كثيراً «الارهاب لا دين له» ويؤكدون كثيراً براءة الدين الإسلامي من الارهاب ولكنهم لا يقولون لنا وبالتحديد: هل ما يجري في الساحة العراقية أو الأفغانية أو الباكستانية أو الصومالية من تفجير وقتل وذبح، هو عمل ارهابي أم مقاومة وجهاد؟! معظم علماء المسلمين يلتزمون الصمت تجاه هذه العمليات وقطاع كبير منهم يؤيد العمل الانتحاري ضد من يعتبره عدواً ولو أسقط ضحايا أبرياء مدنيين وأطفال «مسلمين وغير مسلمين» وهذه طامة كبرى في الفكر الديني الجهادي.

لقد أدى ذات مرة الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عتباً على المشايخ الذين لا يقفون موقفاً موحداً ضد العمليات الارهابية ولا يمتلكون الشجاعة الكافية لاخراج «القاعدة» من الملة الإسلامية وقال «ان الارهاب دخيل علينا باسم الدين ونحن أولى بمجابهته ومقاومته هذه كلمة حق وعلى العلماء أن ينشطوا ويقولوا كلمة الحق، ولا يكتفوا باستنكار عام للارهاب أيا كان مصدره، فالعمومية والضبابية لا تجديان في هذه المعركة المصيرية لانقاذ شباب الأمة من الهلاك والانتحار. هل يعقل أن يعلن المرشد العام السابق للاخوان بمصر وعلى الملأ وفي فضائية بأن أسامة بن لادن مجاهد؟! وهل يعقل أن يقول رمز إسلامي كبير وعلى المنبر الجامع: العمليات الانتحارية أسمى أنواع الجهاد؟! وهل يعقل أن يحرم علماء باكستان العمليات الانتحارية في باكستان ويجيزونها في غيرها؟! ما هذه الازدواجية في العقل الديني؟! كيف ترضاها لغيرك وتحرمها في مجتمعك؟!

نعم أن الواجب الأول للمجامع الفقهية تحريم كافة العمليات الانتحارية سواء في العدو أو في المدنيين، يجب اعلان القطعية الكاملة مع «الفكر الانتحاري» و«ثقافة الانتحار». لا يجوز تبرير العمل الانتحاري بالدوافع السياسية وعقدة «المظلومية» وتجبر الغرب والتسلط الأميركي النفس الانسانية في ديننا هي الأعلى والأسمى، ولا يوجد دين حرم الانتحار كالإسلام، النصوص الدينية قاطعة وصريحة ولا مجال للاجتهاد فيها في أنه يحرم «تفجير النفس» مهما كانت الاعتبارات والأسباب والتبريرات إسلامنا واضح ومريح في أن من يفجر نفسه فهو خالد في النار ولا يشفع له أنه أراد الثأر لكافة المسلمين واسترداد كرامتهم، هذه شعارات المفلسين وأسلحة المحبوطين وتبريرات الخائبين، هؤلاء لا يضرون العدو بل يهلكون أنفسهم ولا يستردون كرامة المسلمين بل يسيؤون اليهم ولا ينصرون الدين بل يشوهونه. هل علمت دينا يحرم عليك أن تجاري العدو في المحرمات؟ هل علمت دينا يقول لك لا تقتل أطفال عدو لك ولو قتل أطفالك؟ المعاملة بالمثل في ديننا مقيدة بضوابط أخلاقية وانسانية مشدودة فما بال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثاً؟! لا يجوز لنا مجاراة العدو في تصرفاته الوحشية لأننا أصحاب رسالة انسانية والا كنا مثلهم، لا يجوز تجاوز المبادئ الإسلامية بدافع «الثأر» و«الانتقام» لاستباحة الغرب لبلادنا، فهذا ليس من أهداف الجهاد، بل شعار سياسي لا علاقة له بالإسلام.

الذين رفعوا شعارات المقاومة وتجاوزوا الثوابت وقالوا: الحوار مع اليهود يكون بالقنابل اليدوية، وشجعوا العمل الانتحاري ووصفوه «أسمى الجهاد» فتحوا ثغرة خطيرة في «الجدار الأخلاقي الإسلامي» وأخلوا بميزانه الانساني وأحدثوا بدعة عظيمة. في «أدبيات الجهاد» لا توجد حداثة الا في غزوات الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا فتوحات الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم تبرر الانتحار في العدو . كما أن العمل الانتحاري لم يحقق أي مكسب لا قديماً ولا حديثاً بل أساء الى المسلمين وشوه صورة الدين وجعل العالم متوجساً من المسلمين ولا يأمن لهم الجهاد واجب وله وسائله وطرقه المشروعة وليس منها قطعاً «تفجير النفس» فالانسان أثمن ما في الوجود فكيف نضحي به من أجل لا شيء؟!

بعض علماء السلفية حرموا العمل الانتحاري قولاً واحداً وبقي على المجامع الفقهية أن تمارس دورها المسؤول - بدلاً من الانشغال باباحة المسيار - فتصدر بيانا حاسما بتجريم كافة العمليات الانتحارية دون قيد أو استثناء وهذه الفتاوى الشاملة لبنية أساسية في هذا المسعى وعلى العلماء تأييدها. نعم الانتحاريون أبطال لكن في الجحيم

Source : http://www.al-watan.com/data/20100313/innercontent.asp?val=writer/ansary1_1

Comments

Top